التفكير المنتج
(قصة نوم أهل الكهف نموذجا)
هذه دعوة لإعمال العقل والتفكير المنتج في القصص القرآني من أجل غاية وليس لمجرد التفكير فقط، والغاية من التفكير فيما يقع عليه الحس أو يقع على أثره ومنه قصة أهل الكهف؛ هي الخروج بفكرة جديدة أو فهم جديد لإغناء الثقافة الإسلامية التي هي للإنسان عامة وليس للمسلم فقط.
من القصص الرائعة التي لا تمتّ إلى الخيال بصلة قصص القرآن الكريم وبالخصوص قصة أهل الكهف، ليس لأنها الأهم من القصص القرآني، بل لأنها موضوعنا فقط، وللذكر فإن القصص القرآني حقائق مطابقة للواقع قد حصلت فعلا ورآها البشر بصرف النظر عن العدد الذي رأى تلك الحقائق وحضرها مكانيا وزمانيا، المهم أنها حقائق وليست خيالا أو أساطير، والإخبار عنها ورد في القرآن الكريم وأخباره يقينية لأنه قطعي الثبوت في كل آياته.
لا أتحدث هنا عن المعجزات والأمور الخارقة للعادة والتي تكسر القوانين الطبيعية والأنظمة الكونية والبيولوجية من مثل إحياء الطير لإبراهيم وإحياء الموتى لعيسى ولموسى على نبينا وعليهم الصلاة والسلام..
أتحدث هنا عن القصص الذي يسير وفق قوانين الكون والحياة مع غرائب ظهرت عليه ورؤى مستقبلية ظهرت فيه والتي نُعْمل عقولنا فيها لفهمها واستخلاص فكرة جديدة منها ولم لا البناء عليها أيضا، وهذا البناء هو الذي أركِّز عليه وأطمع في القارئ المحترم أن يتقمص صفة المفكر المنتج حقا، وهو الذي يدفع بنا إلى الوصول إلى الجديد من حيث الإتيان به واستكشافه، هو الذي يمكننا من بناء صرح قد وضعت لنا قواعد بنائه من طرف رب العالمين جلت قدرته ويبقى علينا أن نقيم عليه البنيان بلبنات لا ضرورة أن تكون من طرف جيلنا وربما تكون ولكن لابد من وضع صورة للبناء والبحث عن لبنات ذلك البناء من مادة الكون وطاقته والمادة التي بين أيدينا والطاقة التي نستعملها ونستغلها.
والبدء بالعمل من طرفي هو وضع أجوبة معينة قبل وضع أسئلة لها.
قد يقول أحدكم أن الأمر غير ممكن إذ كيف توضع أجوبة قبل وضع أسئلة لها؟
والجواب على ذلك يكمن في التوصل إلى إدراك أن الممكن عقلا ممكن فعلا عندما نضع الأجوبة قبل الأسئلة وفي ذلك سياحة بالعقل في إعمال التفكير المنتج في القصص القرآني وينسحب ذلك على كل شيء يتم التفكير فيه شرط أن يقع عليه الحس أو يقع على أثره ثم يتم التفكير فيه، غير أن القصص القرآني وأخباره عن الكون والإنسان والحياة حقائق كفيلة عند الاعتقاد بها وفيها باختصار الطريق إلى الغاية، والأهم من الاختصار هو اعتمادها قواعد للتفكير لأنها فعلا قواعد للعقلاء والمفكرين المنتجين حقا دون مغالطات.
وبعض الأجوبة على أسئلة لم تطرح بعد هي:
ـــ دخل أحياء في رقود كأنه بيات زمني على غرار البيات الشتوي لبعض الكائنات مثل الدب وتمدد رقودهم لثلاثة قرون وتسع سنين.
ـــ فقد أناس كثيرا من مقومات الحياة ولكن ببطء شديد جدا أبقى على وقت كاف للوصول إلى ثلاثة قرون وتسع سنين مع الإبقاء على الحياة في أجسامهم.
ـــ جفت أجسامهم بزمن بطيء جدا ولكنه كان كافيا للإبقاء على وظائف أعضاء في أجسامهم كالكلى مثلا.
أما بعض الأسئلة في قصة أهل الكهف فهي كالتالي:
ـــ كيف كانت تعمل أجسامهم وهم نائمون لمدة ثلاثة قرون وتسع سنوات؟
ـــ كيف ثبتت أجسامهم في العمل الوظيفي لها دون إمداد للطاقة باستثناء طاقة الشمس (طاقة الحرارة والدفء)؟
ـــ كيف لم تجف أجسامهم من المياه والسوائل؟
ـــ كيف عملت أعضاؤهم وعضلاتهم عندما كانوا يقلبون ذات اليمين وذات الشمال؟
ـــ هل كانوا يقلبون إلى جهة الظهر والبطن؟
ـــ كيف سار أحدهم في الطريق إلى المدينة (السوق) ليشتري لهم طعاما لم يوصف بالزكي بل وُصِف بالأزكى وطُلب منه التلطُّف في السير خشية أن يُكتشف أمره من طرف الشُّرَط أو أعوان الملك المشرك بالله ثم يُحمل على معتقد الشرك قهرا وهو مخالف لمعتقده التوحيدي؟
ـــ حالة السير وهيئته بناء على ما ذكر تبدو عادية ومعنى ذلك أن السائر إنسان سوي وعادي باستثناء مظهره الملفت للنظر ولم لا فاللحية مثلا لابد أن تطول كثيرا لطول فترة النوم أم أن النوم يوقف نمو الشعر في الجسم كله؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محمد محمد البقاش أديب وباحث مغربي من طنجة
طنجة في: 09 أكتوبر 2017م